" لكنك لن تراها, ستحرص على ألا تراها"
19 مارس 2012
- مش هينفع نقعد برة, لو عندك
استعداد تدخل لازم تكون مدرك إنك مش هتاخد كل الاجابات دلوقتى, وفى اجابات
هسيبك انت تعرفها بنفسك وإن اللى هيدور ما بيننا وكل اللى هتعرفه لو حد غيرك
عرفه إنت بتعرضه للخطر, موافق؟
- .....
دخلا سوياً للمرة الثانية ولكن هذه المرة كلاهما فى كامل
وعيه, دقق يونس فى تفاصيل المنزل, بعض الآيات القرآنية معلقة على حوائط صالة
صغيرة, أثاث رخيص يحاول جاهداً أن يظهر حس الرفاهية بكنب منتفخ, بلاط مغطى بألوان
عشوائية, تليفزيون متواضع الحجم, أمام الصالة على امتداد باب المنزل طرقة صغيرة
يتفرع منها حمام فى الواجهة, مطبخ على اليمين وغرفة نوم واحدة على اليسار, نفس
الغرفة التى استيقظ فيها يونس أول مرة دخل فيها هذا المنزل.
جلس الاثنان على يمين الصالة يتوسطهما طاول خشبية فى صمت تام
تجاوز الدقيقتان, حاول يونس أن يبدأ بالكلام ليكسر هذا الحاجز الغريب من الصمت
ولكنه تردد كثيراً حتى...
·
إنت
اللى رجعتنى البيت؟
·
لأ
صمت يونس منتظراً منه تكملة اجابته, لكن لا شئ. بعد مرور
دقيقة أخرى تركه الشيخ عيسى وذهب إلى غرفته واحضر صندوق حجرى منحوت عليه بعض
الرموز.
·
ليك
عزيز؟
·
مفيش بنى
آدم ملوش عزيز
·
لأ
فيه, لما تبقى زيى مش هيفضلك عزيز
·
أنا
هبقى زيك ليه
·
إنت مش
جاهز لإجابة السؤال ده
·
جربنى
·
لأ
·
إنت
ضربتنى ليه؟
·
ماكنش
المقصود إنت
·
إنت مش
شايف دماغى ورمة ازاى؟
·
لأ
لوح يونس بيديه أمام الشيخ عيسى, لا شئ.
·
أنا
أسف
·
كدة
أحسنلك وأحسنلى
لم يستمر حديثهما أكثر من ذلك, انتظر تفسيراً لأسئلة كثيرة
تدور بعقله لكنه فضل أن ينسحب بعد أن وضع نفسه فى موقف محرج.
·
أنا
مضطر أستأذن دلوقتى
·
خد
الصندوق ده معاك, لو ليك عزيز بتخاف عليه, اديله الأمانة اللى فالصندوق
·
الصندوق
ده فى ايه
·
متفتحهوش
هنا, احترم حرمة المكان. اتفضل
وجه إليه بسبابته ناحية باب المنزل ليخرج, أخذ الصندوق الحجرى
ورحل متعجباً من تعجرف العجوز. أثناء توجهه لباب المدافن تذكر شئ هام, هو لم يفقد
وعيه كالمرة السابقة, لم يجد اجابات لتساؤله.
توجه لجامعته وحضر محاضرة واحدة متحملاً عرق أكثر من مئتين
طالب رغماً عن أنفه. قبل رحيله قابل زميله عمر بادئاً زميله
الحديث.
·
مش
نستحمى آيونس بقى ولا إيه؟!
·
يا
معفن أنا بستحمى مرتين فاليوم, روح شوف فلاحين الدفعة اللى بيقعدوا بالأسبوع من
غير حمى ويجوا يقرفونا فالمحاضرات
·
خدت
بالك لما حد فسى
·
قصدك
على أنهى مرة؟ قبل ما إنت تفسى ولا بعدها؟
·
طب مش
تستر أخوك
·
أكبر
للدفعة واستأذن قبلها المرة الجاية
·
يبنى
دى دفعة بنت كلب عايزة الحرق عشان تطهر, ده لو ماسورة مجارى ضربت فيهم ينضفوا
·
الله
يقرفك مش طالبة نتانة علمسى, أنا مروح
·
خد يا
عم أقولك
تركه يونس ورحل, لم يتحمل الاستمرار فى هذا الحديث المقزز.
بدأ رحلته الطويلة الروتينية المملة للعودة لمنزله.
أمه لم تعد بعد للمنزل, توجه لغرفته حيث ترك متعلقاته على أحد
الكراسى. قرر أن ينال قسط من الراحة لساعتين حتى عودة أمه, توجه لسريره ونام.
·
خاف
عليها من نفسك هى ملهاش ذنب, سعاد
ظلام..
يحاول أن يتحرك, يصرخ ولكنه فشل, قرر أن يصبر ويركز كل طاقته
ليستيقظ, أستيقظ وصرخ..
·
شيخ
عيسى!
·
طيب
أحلم ببنت حلوة ترفع راسى بيها, أحلم حتى بأمك
·
ماما,
الساعة كام دلوقتى؟
·
الساعة
دلوقتى بقت اتناشر ونص, اديك قلبت يومك مش عارفة هتنام الصبح ولا امتة كدة
·
هطبق
عشان اظبط يومى, اتعشيتى ولا لسة؟
·
مستنية
جنابك تصحى
·
تمام,
حطى الأكل وأنا جاى
·
لوسمحتى,
اسمها لوسمحتى
·
لوسمحتى
رشوان حطى الأكل وأنا جاى
·
يونس
حطى الأكل حاضر
تركته لتحضر الطعام, تذكر ما رأه فى حلمه, كان ذلك الشيخ
عيسى. تذكر الأمانة, ربط أخر كلام دار بينهما. تناول حقيبته وسحب الصندوق الحجرى
ليفتحه.
قلادة تبدو قديمة بعض الشئ ويبدو عليها شئ من الفخامة ومنحوت
عليها...
سمع صوت المنبه يرن من هاتفه فوجد تنبيه أن عيد ميلاد أمه غداً, نظراً لحالته المادية المتعثرة فوجد أن تلك القلادة ظهرت فى وقتها المناسب, توجه لوالدته وهى تهم بغرف الطعام وفاجأها بلف القلادة حول عنقها.
سعادتها كانت لا توصف تلك الليلة, سألته من أين وفر ثمنها فرد
بكل سذاجة مقنعة أنه كان يوفر مبلغ كبير من المال كى يشترى لها هدية قيمة فى عيد
ميلادها, صدقت ولكنه لم يدرك لعبة القدر التى أنقذتها من عذاب كاد أن يجعله يخسرها
للأبد.
قضى الليلة معافراً ألا ينام كى يتمكن من ضبط ساعته
البيولوجية. صباح ثانى يوم كان عنده محاضرة. قبل أن ينزل رن هاتفه, مكالمة من عمر..
·
صدق
إنت عيل مرزق
· خير؟
·
النهاردة
المحاضرة اللى فاتت دكتور عبد الحميد فوسط محاضرته سمعنا صوت حاجة بتنفجر, شوية
ولقنالك ماية بتتسرب من تحت الباب, افتكرنا حد بيسيق ولا حاجة
·
وبعدين؟
·
بنبص
يا معلم ألاقيلك شلال خرة ضرب فالمدرج خلى ربع الدفعة يجيبوا اللى فبطنهم علأرض
·
ظهر
الحق وزهق الباطل
·
إن
الباطل كان زاهوقاً, نجيت يابن المحظوظة, سلام دلوقتى عشان هروح اتطهر من النجاسة
اللى شفتها النهاردة
·
كل حمة
وإنت طيب
كان نهاراً رتيباً قرر قضاءه فى منزله, استيقظت أمه وتوجهت
إلى عملها فى عجالة. اشتدت النوة هذا النهار فقرر البقاء بمنزله مستمتعاً بصوت
الرياح حول منزله حتى...
"برشششششش"
اصطدمت الرياح بزجاج حجرته حتى تهشم فأقتحم كم هائل من
الأتربة داخل حجرته حتى أختنق. أغلقت الرياح باب غرفته وملأت الأتربة أنحاء غرفته
حتى انعدمت قدرته على الرؤية. أخذ يتحرك بشكل عشوائى محاولاً الوصول لباب غرفته
لكن لا شئ.
شعر بجسم يصطدم به, ظن أنه النجفة المعلقة بغرفته لأنه شعر
بزجاج يخترق سطح جلده ثم حمل يدقه أرضاً, ظلام.
·
بحلم
أدرك ذلك بمجرد أن فتح عينيه. حلم, هو يدرك ذلك جيداً فهو
اعتاد على قدرته فى أحلامه أن يميز أنه نائم, ظاهرة ضيقة الانتشار.
بحر صافى لدرجة أنه يرى الأسماك من مكانه على الشاطئ, نسمات
الهواء تتخلل قميصه الحريرى الأبيض, صوت الأمواجة تضرب الشاطئ, لا أحد. أقترب من
الماء وتقدم خطوات للأمام ليتمتع باحتكاك الماء بساقيه, يداعب الرمال بأصابع قدمه
متجاهلاً الأسماك الزينة الصغيرة التى تقرصه. استمر فالسير حتى وصل الماء إلى أسفل
عنقه, حتى ظهرت من بعيد تبتسم له. كأى ذكر فى أى أحتلام قررأن ينتهز هذه الفرصة,
بدأ يسبح كى يصل إليها حتى أختفى قاع البحر وبدأ يشعر بثقل الماء حتى أجهدت أكتافه
وأذرعه. أختفت, بدأ يتوتر, لن يستطيع أن يعود فحاول أن يريح جسده قليلأ فثبت فى
مكانه وأغرق نفسه قليلاً حتى تستريح عضلاته.
فى فستان أبيض قصير تحت سطح الماء تتجه ناحيته ويحاط بها
فراشات وردية تسبح حولها, جذبته من ياقة قميصة. أغلق عينيه وأعتصر شفتيها
المكتظتين فى أكثر قبلة أدركها فى أحلامه, كانت واقعية جداً أشبع فيها عشرين سنة
من العزوبية.
شديدة البياض, عينين شديدتين الزرقة, شعرها صارخ السواد, لم
يستطع أن يصف جسدها أكثر من أنه مثالى فهو لم يعى شكلها بدقة كاملة فى حلمه. احتضنته
وجذبته للقاع, لم يقاوم واستسلم لرغباته حتى بدأ ينتشى من نقصان الأكسجين فى رئتيه
أو ربما هو انتشى من رائحة جلدها, نعومته, حلم أم واقع, بدأ يختلط عليه الأمر من
التفاصيل.
فتح عينيه
فوجده يطفو خلفها ينظر إليه وهو منكس الرأس, الشيخ عيسى, تجاهله وظن أن ذلك نتيجه
هلاوس نقص الأكسجين من رئتيه حتى..
·
مش هتطلع من هنا, مكانك مع أمك
هنا.
انتفض
ودفعها بعيداً. على الرغم من عدم وضوح صوتها تحت الماء إلا أنه ميزه, نفس الصوت
الأنثوى الذى سمعه أول مرة فى بيت الشيخ عيسى. ابتسمت وبدأ يرى ملامح وجهها بدقة,
بقع سوداء تغطى وجنتيها, ابتسامتها كشفت عن أنيابها, قرنين يبرزان من بين شعرها
وذيل مغطى بقشور حادة يعتصر صدره, نظر لها, رأى نفسه, نور ساطع.
لم يستيقظ
بعد, لا يتحرك ولا يتنفس, النور يحرق عينيه, يصرخ ولكن صوته مكتوم. بدأ يعرق
بغزارة وينزف من صدره, يرتعش. سمع صوت اقتحام بغرفته, استيقظ.
·
ابنى!
كان مستلقى
على الأرض وسط كومة رملية, فانلته بها بعض الثقوب الصغيرة كمصفاة تحتها خدوش سطحية
على جلده تاركة بقع طفيفة من الدماء على فانلته. ساعدته أمه على النهوض واستند
عليها. توجها إلى غرفتها ليستلقى على سريرها وبدأت تداوى جراحه وبدأت تقرأ له
القرآن واضعة يدها على صدره.
هدأت الرياح
خارج المنزل, جهزت له وجبة دسمة وتركته
يأكل وتوجهت لغرفته لتنظفها. شعرت باهتزاز بسيط بالنجفة, شكت بأنه زلزال ولكن
الاهتزاز توقف.
سقطت عليها
النجفة, صرخت..
·
السلام ورحمة العزيز, السلام
لكل عزيز
يتبع
_________
رسم:
_________
رسم:
- إسراء زكريا
- على حسنى صيام
مراجعة:
- شريف كوستا
- نورا القاضى
- إسراء زكريا
- على حسنى صيام